من أرشيف الذاكرة .. اغتصاب القوى السياسية اليمنية لإرادة المهمشين
يمنات
أحمد سيف حاشد
• كان أصدق نضال لتحرير المهمشين في جنوب اليمن فترة السبعينات، حيث كانت فترة رئاسة سالمين هي العصر الذهبي للمهمشين في الجنوب.. كان الهتاف “سالمين قدّام قدّام… سالمين ماحناش أخدام” يسود وينتشر من مراكز المدن إلى أطراف الصحاري وأقاصي الأرياف البعيدة.. والأهم أنه لم يكن مجرد هتاف، بل كان هتاف مدعوما بمصداقية عالية، وبإجراءات دولة، في شتى مناحي الحياة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية، إلى جانب حماية قانونية صارمة..
• عندما كنت في الكلية العسكرية بعدن في مطلع الثمانينات من القرن المنصرم كان يوجد ضباط وزملاء من فئة المهمشين، إلا إننا لم نشعر بأي فروقات تمييزيه، من أي نوع كان، ولم يكن لدينا أي تحفظ أو محاذير، أو وجود أي شيء في نفوسنا تنتقص منهم بأي وجه كان.. كنّا نأكل ونشرب مع زملاءنا دون أن نسأل عن أصول أو فصول أي منهم، ولا يتعالى أحد على الآخر، بسبب الانتماء الاجتماعي..
• كما كنّا نؤدي التحية العسكرية لجميع الضباط دون أن نشعر بأي انتقاص أو مشاعر غير سوية نحو أي منهم، بسبب أصله أو انتمائه الاجتماعي.. وإذا ما وجد مريض فينا بالتمييز، كنّا نصده ونزجُره، بل ونحتقره، ونتهمه بالتخلف والرجعية..
• هذا يعني أن العامل الاقتصادي، والمواطنة، والمساواة، والنهوض بالمهمشين باتجاه دمجهم في المجتمع، ونيل كل حقوقهم، وتوفير الحماية القانونية الصارمة في مواجهة أي تمييز عنصري، هي الضمانات الأساسية نحو تلاشي التمييز العنصري حيال شريحة المهمشين.. غير أن تراجع تلك الضمانات في فترة التسعينات وما بعدها وما شهده الواقع والوعي من انفلات وسلبية نحو المهمشين، جعل التمييز العنصري يعود إلى سابق عهده ومجده..
• وفي الشمال أستطاع البعض من المهمشين في قرانا في السبعينات والثمانينات الانتقال إلى المدن، والعمل فيها، وتجاوز العزلة المفروضة عليهم وعلى تجمعاتهم السكانية في الأرياف، وتحسين شروطهم وأوضاعهم الاقتصادية، وتضيق الفجوة المجتمعية بينهم وبين بقية المجتمع.. ومع ذلك يظل الأمر محدود، وفردي، ولا يجري في سياق سياسات دولة تستهدف دمجهم في المجتمع..
• ظلت التجمعات السكانية للمهمشين إن كانت في الريف أو في المدينة على حالها، تعاني من العزلة والانغلاق والدونية والتمييز العنصري.. وحسب العديد من المصادر على مختلف تقديراتها، فأن المهمشين في اليمن يتراوح عددهم بين المليون والثلاثة مليون مهمش.
• بعض السلطات حاولت بإجراءات محدودة، وضع تنفيس، أو اندماج محدود لبعض التجمعات، إلا أنها كانت محدود الفعل والأثر.. ولم تحقق ما هو مرجو منه.. بل واستخدمت بعض السلطات المهمشين في تحشيدهم للانتخابات واستخدامهم للتأثير على نتائجها مستغلة عوزهم الشديد، وفقرهم الأشد، وجهلهم الواسع، وبما يخدم تلك السلطات والأحزاب التي تملك السلطة والمال..
• ليس هذا فحسب، بل وجرى أيضا استغلال أسماء المهمشين في تفريخ أحزاب دون أن يعلم المهمشين أن اسماءهم قد جرى استخدامها في هذا الإشهار، ومنح تراخيص ولادة أحزاب، اكتسبت الشخصية الاعتبارية، والصفة القانونية بناء على بيانات مزورة..
• لقد جاءني بعض المهمشين في العام 2014، ومعهم صحيفة الثورة الصادرة في عام سابق، وفيها أسماءهم وأسماء مئات المهمشين التي تم على أساسها إشهار واستخراج ترخيص أحدى تلك الأحزاب المُفرّخة، دون علم أو دراية المهمشين الواردة أسماؤهم في الصحيفة، وهم بالمئات لا بالعشرات، وإذا كان هذا ما تم كشفه، فإن الأفظع مالم يتم كشفه..
• وينطوي هذا الاستخدام على جرائم تزوير جسيمة، فضلا عن اغتصاب فاضح لإرادة المهمشين، من قبل تلك القوى والأحزاب والشخصيات التي ساست ورعت التفريخ، وكذا الأحزاب التي جاءت نتيجة هذا التفريخ، ليفضي الأمر بالنتيجة إلى اغتصاب شرعية مزاولة العمل السياسي، وبناء تحالفات مسخة وصورية، تقوم على الاحتيال والتزوير، واغتصاب الإرادة الشعبية، وبناء شرعيات سياسية تقوم على التزوير والاغتصاب..
• وفي فترة الحرب شهدتُ بأم عيني كيف يجري تجميع المهمشين في الباصات وحشدهم إلى الميادين والساحات العامة، واستغلال فقرهم وعوزهم، والاستيلاء والتسخير للمال العام في تلك الحشود، لتزيف وعي الراي العام المحلي والعالمي حيال مدى التأييد الشعبي التي تحظى به تلك القوى أو الأحزاب، وبما يخدم أجنداتها السياسية الخاصة والضيقة..
• ولذلك نقول أن تلك الحشود الكبيرة التي تشاهدونها على شاشات التلفاز ووجهات وسائل الإعلام لا تعبر عن الإرادة الشعبية، بقدر تعبيرها، عن وفرة المال، واستخدام المال العام على وجه التحديد، والمال السياسي، لتزوير الإرادة الشعبية، واغتصاب الشرعيات، وتزيف الوعي على كل الأصعدة والمستويات..
***
يتبع..
للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا
لتكن أول من يعرف الخبر .. اشترك في خدمة “المستقلة موبايل“، لمشتركي “يمن موبايل” ارسل رقم (1) إلى 2520، ولمشتركي “ام تي إن” ارسل رقم (1) إلى 1416.